شبكة قدس الإخبارية

خبير عسكري إسرائيلي: النصر المطلق الذي يصرح به نتنياهو سيتحول لهزيمة 

٢١٣

 

QDGVU (1)

ترجمة خاصة - شبكة قدس: اعتبر المحلل والخبير العسكري الإسرائيلي روني بن يشاي أن الحكومة الحالية لدى الاحتلال الإسرائيلي تُدار بعقلية غير متزنة سياسيًا وأمنيًا، محذرًا من أنها تُشكّل خطرًا استراتيجيًا داهمًا، وتستوجب إسقاطًا شعبيًا عاجلًا قبل أن تنزلق بالمجتمع والمؤسسة العسكرية إلى هاوية لا رجعة منها.

وفي مقالة نُشرت له مؤخرًا، أقرّ بن يشاي بأنه – ولأول مرة في حياته – يدعو إلى إسقاط حكومة منتخبة، بسبب ما وصفه بـ”السلوك غير العاقل” الذي يطبع أداء حكومة نتنياهو خلال واحدة من أكثر المراحل حساسية في تاريخ المشروع الصهيوني، قائلًا: “ما يجري في الأيام الأخيرة أقنعني بأننا أمام قيادة غير متزنة، تتخذ قرارات انتحارية في خضم حرب متعددة الجبهات، وتعمّق الانقسام المجتمعي، وتُضعف الروح القتالية لدى الفئات التي تتحمل عبء المواجهة”.

وانتقد بشدّة مشروع قانون الإعفاء من الخدمة العسكرية في ظل أزمة حقيقية تعاني منها قوات الاحتلال جراء النقص الكبير في القوى البشرية المقاتلة. وأوضح أن الجيش بحاجة إلى أكثر من عشرة آلاف مجنّد لتعويض الاستنزاف وضمان استمرارية العمليات الميدانية، مُحذرًا من أن الإعفاءات الجماعية تُهدد بانهيار “التضامن المجتمعي” الذي طالما روّج له الخطاب الرسمي لدى الاحتلال.

ويرى بن يشاي أن هذه السياسات لا تعبّر عن خلل فردي بل عن اختلال بنيوي في تركيبة الائتلاف الحاكم، الذي يضم أطرافًا يمينية متطرفة ذات مشاريع تتجاوز حتى المتخيل السياسي التقليدي داخل “إسرائيل”. وقال صراحة: “الخطر لا يكمن في نتنياهو فقط، بل في الائتلاف برمته، الذي بات يهدد الأمن القومي من الداخل”.

ومن بين أبرز المشاريع التي هاجمها بن يشاي ما تُسمى “المدينة الإنسانية” التي يروّج لها نتنياهو ووزير ماليته بتسلئيل سموتريتش، والمقرر إنشاؤها جنوب قطاع غزة. ورأى أن المشروع لا يخدم هدفًا عسكريًا حقيقيًا، بل يُعد محاولة عبثية لبناء مخيم ضخم للاجئين سيتحول إلى عبء مالي واستراتيجي طويل الأمد، متسائلًا: “أي دولة على وجه الأرض مستعدة لاستيعاب مئات آلاف اللاجئين من غزة؟ لا توجد دولة مستعدة لذلك، ومن يرغب في الخروج من القطاع يسعى للذهاب إلى أوروبا، لا إلى أفريقيا أو آسيا حيث تنتظره ظروف أسوأ”.

وشكك الخبير العسكري في إمكانية تحقيق الفصل بين السكان والمقاومة الفلسطينية داخل ما تسميه الحكومة بـ”المدينة الإنسانية”، وذكّر بتجارب سابقة فاشلة في مناطق مثل المَواصي، مشيرًا إلى أن عناصر المقاومة بإمكانهم الاندماج بسهولة داخل هذه المناطق بدون سلاح، والمشاركة في مواجهة أمنية مفتوحة مع من قد يتعاون مع الاحتلال. كما سخر من خطة جهاز “الشاباك” لإقامة مراكز فرز لكشف عناصر المقاومة، قائلًا إنها أثبتت فشلها سابقًا.

وفي تقييمه العسكري للحرب الجارية، شدد بن يشاي على أن حكومة الاحتلال ترفض الاعتراف بأن الأهداف الأساسية قد تحققت، رغم أن حماس لا تزال تمتلك القدرة على شن عمليات نوعية وفق نمط حرب العصابات. غير أن الإصرار على “تحقيق نصر مطلق”، بحسبه، قد يؤدي إلى ما سماه “النصر البيروسي” – أي نصر مكلّف لدرجة أنه يتحول في جوهره إلى هزيمة.

ودعا بن يشاي بشكل واضح إلى العودة إلى المسار السياسي، معتبرًا أن الحسم العسكري مستحيل، تمامًا كما فشلت “إسرائيل” في حسم النزاعات في لبنان وسوريا وإيران. وشدد على أن الخطوة الأولى نحو تسوية سياسية يجب أن تبدأ بتحرير جميع الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة، ومن ثم الانتقال إلى إعادة إدارة القطاع بالتنسيق مع الولايات المتحدة والدول العربية والسلطة الفلسطينية.

ورأى أن دور السلطة في “اليوم التالي” ضروري لا مفر منه، محذرًا من أن استبعادها سيقود الاحتلال إلى أحد خيارين قاتلين: إما “صوملة القطاع”، أو فرض حكم عسكري مباشر يستنزف الاحتلال ماليًا وبشريًا لسنوات طويلة.

واعتبر أن أي تسوية سياسية يجب أن تضمن بقاء السيطرة الأمنية بيد الاحتلال، مع إعطاء الجيش صلاحية تنفيذ عمليات استباقية داخل القطاع، وهو ما يكرس واقع الاحتلال تحت غطاء “إدارة مدنية”.

كما حثّ بن يشاي حكومة الاحتلال على دعم المساعي الأمريكية لإعادة إحياء الاتفاق النووي مع إيران، باعتباره مسارًا ضروريًا لاحتواء التصعيد في الجبهة الشمالية، لكنه لا يمكن تحقيقه دون استقرار سياسي داخلي.

وفي نهاية المقال، وجّه دعوة مفتوحة للإسرائيليين للنزول إلى الشوارع وتنظيم احتجاجات واسعة ومستمرة، داعيًا إلى إضراب عام وشلل مدني كامل، قائلًا: “إذا لم تتجه الحكومة نحو العقلانية خلال أسابيع، فعلينا جميعًا التحرك لإسقاطها. يجب علينا أن نوقف هذا (موكب الحماقة) قبل أن يجرنا إلى دمار لا مفر منه”.